بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم
الحديث عن أم الدويس حديث شائق وجميل، فحكاياتها وأوصافها غاية في التفرد والعجب، إنها وكما توصف لدى الرجال الأوائل بأنها من أجمل النساء التي يمكن أن يصادفها رجل.
وهي ليست جميلة فحسب، فقد اجتمعت فيها كل مواصفات الجمال والرقة
وعذوبة الحديث وشذا العبير المنبعث من نسائم خطواتها بتؤدة وسكينة
التسمية: جميع التسميات تستمد أصلها من شيء رئيسي ألا وهو أداة القتل
التي تستخدمها، والتي تشبه المنجل وتسمى في الإمارات(داس) والتسميات
هي:
أم الدويس: أم تعني ذات، والدويس تصغير داس وهي آلة قطع حادة أشبه بالمنجل.
أم دويس: بدون “أل” التعريف
أم داس: أي ذات المنجل “الداس”
أم داسين: أي ذات المنجلين.
أوصافها: توصف أم الدويس على أنها فتاة جميلة، بل بالغة الجمال،
أنيقة رشيقة، تفوح منها روائح شتى جميلة من أنواع العطور والبخور،
إحدى رجليها رجل حمار، والأخرى داس، وهناك من يقول بأن كلتا رجليها أرجل حمار ويديها (ديسان) أي منجلان
وبالرغم من جمالها الأخاذ وروعة ملامحها إلا أنها تحمل في وجهها عيني
قط، هاتان العينان هما الملمح البارز على أنها من الجن وليست من البشر.
أماكن ظهورها: تظهر أم الدويس في الأحياء السكنية المأهولة بالسكان،
وفي المدن الكبيرة والصغيرة والقرى، وقد تظهر في الفلوات والبراري
والقفار والبساتين، أي أنها تظهر تقريبا في جميع الأمكنة التي يمكن
أن يتواجد فيها البشر ويمكن إغواؤهم فيها وقتلهم.
حكاياتها: يزخر الأدب الشعبي الإماراتي بمئات الحكايات عنها، حتى أنك
قد لا تجد من يجهلها أو لا يحفظ حكاية عنها تذكرإحدى السيدات بأن لها حكاية فريدة مع “أم الدويس” تقول: كنا في الماضي نخرج كل صباح لجلب الماء من الآبار القريبة من المدينة القديمة، وقد كنا نقول “نسير نروّي” وكانت كل مجموعة من الفتيات يلتقين عند بيت إحدانا فنذهب سوية إلى
البئر المطلوبة وتسمى “الطوي”، وذات ليلة سمعت طرقاً على باب بيتنا
فقمت على صوت الطرق فلما خرجت وجدت فتاة غريبة على الباب فسألتها
حاجتها، فقالت بأن زميلاتي قد ابتعثنها إلي لاستعجالي في المجيء إلى
المكان المعهود!
وقد صدقتها بالفعل لأني كنت لا أزال تحت تأثير النوم، فاستأذنتها لجلب قربتي “الجربة” وعندما حضرت ارتبت في بعض الأمور التي شككتني في
هذه الفتاة:
أولا: ملابسها نظيفة جدا وأنيقة.
ثانيا: عيناها تشبهان عيني القط.
ثالثا: طريقة كلامها ولفتاتها المريبة المخيفة.
فأعطيتها قربتي “الجربة” و قلت لها انتظريني دقائق نسيت شيئا مهما في
البيت، فدخلت وأغلقت الباب بإحكام وهربت إلى حجرتي وأقفلتها أيضا،
فأحست أم الدويس بأنني قد اكتشفت أمرها وهربت، فأخذت تدق الباب بعنف
وتصرخ مناديةلي لأخرج وأنا ساكتة ملتزمة الصمت، ثم هددتني بتمزيق القربة فواصلت صمتي، وما لبثت أن سمعت صوت تمزيق القربة، تصور تمزيق قربة من الجلد السميك ولكنها قوية جبارة تستطيع فعل أي شيء، والحمد لله أني لا زلت
أروي قصتي وأنا بخير وأحسن حال.
الحكاية الأخرى رواها لي أحد أقاربي رحمه الله في نهاية السبعينيات،
يقول كنا أنا وصاحبي في طريقنا من الشارقة إلى الباطنة في عمان، وكنا
نستقل سيارة لاند روفر فضللنا الطريق ولم نعرف في أي اتجاه نذهب، فقد
كانت السماء ملبدة بالغيوم وليس في السماء ما يمكن أن يُهتدى به لا
نجم ولا قمر، لكن فجأة رأينا مصابيح سيارة من الخلف “حمراء” تضيء من
بعيد فتبعناها، وتجدد الأمل، ولكن وجدنا أن المسافة بيننا وبين تلك
السيارة لا تتغير فنحن لا نقترب منها أبدا، ولكنا تمسكنا بالأمل علنا نصل.
وفجأة توقفت السيارة التي كنا نتبعها وظللنا نقترب منها شيئا فشيئا،
فتجدد الأمل وابتهجنا من جديد، إلى ان قاربنا على الوصول إلى السيارة
المقصودة، ويا لهول المفاجأة، وصلنا إلى مكان الأضواء فوجدنا
امرأتين تمشيان وكل امرأة أضاء ثوبها من الخلف وكأنه مصباح أحمر
لسيارة، فصعقنا من شدة الخوف، وتملكنا رعب لم نحس به من قبل، فحاولنا
اجتيازهما بسرعة وحاولت النظر إلى وجهيهما، لكن صاحبي اجتذبني بعنف،
وصرخ فيّ قائلاً “لا تنظر في وجهها يا مجنون، انها أم الدويس”.
وهربنا من المكان، والعجيب أنها لم تلحق بنا، وعندما وصلنا إلى أول
مكان استراحة في طريق الباطنة، أخبرنا بعض الناس هناك بما رأينا،
فقيل لنا بأننا لابد أن نكون قد مررنا بطريق مسكون “أي مسكون بالجن”
فحمدنا الله، وتمنى الحاضرون لنا السلامة.
حكاية أخرى قالها لي أحد الرواة: يقول انه كان قادما من خورفكان إلى
كلباء على حمار، وفي الطريق ناحية الجبل الذي يقع على مدخل خورفكان
شاهد فتاة جميلة حسناء تمشي على مقربة منه على استحياء، ثم رفعت
وجهها وأومأت له أن يتبعها، يقول فهممت أن أتبعها، لكني انتبهت من
غفلتي بسرعة وقلت في نفسي من هذه وكيف أتت إلى هذا المكان الموحش
البعيد الذي لا يوجد فيه أحد فعلمت أنها أم الدويس، فأشحت بوجهي عنها
وتعوذت من الشيطان الرجيم وبدأت أقرأ المعوذات وبعض ما تيسر لي حفظه من آيات القرآن الكريم فاختفت.
وهكذا كما أسلفنا توجد مئات الحكايات لأم الدويس بعضها له كثير من
الواقعية والآخر قد لا يصدق، لكن أم الدويس خرافة أو حقيقة لها مغزى
واحد وهدف رئيسي هو العفة والعفاف والطهر.
أم الدويس هي الدواء الناجع والناجح ضد الرذيلة والفحش، فهي الرادع
والمنجي من الانحراف ومقارعة الشوارد من الآفات والمصائب الأخلاقية
المقيتة.
فالمستسلم للفتنة والرذيلة هو المستسلم لأم الدويس والمستسلم لها
مستسلم للموت.
ورغم أن الغالبية من أهل الإمارات يقرون ويعتقدون بوجود أم الدويس،
وبحقيقتها الأكيدة، إلا أنني وجدت البعض ممن يتصفون بالتدين من كبار
السن يشككون بها ويقولون بأنها خراريف “عن الأولاد يسيرون للطفاسه”
أي أنها مبتكرة لردع الشباب عن الرذيلة.
حدثتني إحدى الأمهات العزيزات تقول بأن والدها كان يطلق اسم أم
الدويس على إحدى جاراتنا لأنها كانت تكثر من التطيب وكانت إذا مرت من
طريق عرفت من طيبها، فكانت كلما مرت من أمام بيتنا وشممنا ريحها صرخ من داخل البيت بأعلى صوته ليسمعها “أم الدويس... أم الدويس”.
تقول الوالدة: كنت أسأله لماذا تنعتها بهذا الاسم، فيقول: إن فعلها
كثرة التطيب هو من فعل أم الدويس، ولا تفعله مسلمة تخاف ربها، فهي
تغوي الرجال بهذا التصرف، وهي آثمة بفعلها؟
إذن فأم الدويس جنية وانسانة ودواء
مأخود من كتاب الادب الاماراتي الشعبي
منقووول لعيوونكم