ورد في كتاب «المصايد والمطارد» لمؤلفه كشاجم، أن الشاهين، والزرق، وال، والباشق، كلها صقور، وهذا يدل على أن العرب كانوا يسمون كل طائر جارح صقرًا. والصقر اسم شائع لأحد أنواع الطيور الجارحة من عائلة (الصقريات) إلا أن المراجع العلمية اختلفت في عدد أنواعه.. فبينما حين يذكر (كتاب الطيور) من مطبوعات «لايف» أن عدد عائلة الصقريات هي خمس، وعدد أنواعها 274 نوعًا تقول دائرة المعارف العالمية: تقول إن عددها ستون فقط. أمّا العرب فقد اختلف علماء الصيد لديهم في عدد الجوارح وأسمائها، فقد عمد (كشاجم) في كتابه «المصايد والمطارد» إلى تقسيمها إلى فصائل لكل منها أنواعها.. وأجملها جميعًا في ثلاثة عشر جارحًا. وقد خالف (القلقشندي) تقسيم (كشاجم) فأوصل عددها إلى خمسة عشر جارحًا.. وحذا حذوه رفيق النتشة في كتاب «الصيد والطرد عند العرب»، لكنه أوصل عددها إلى نيف وعشرين. فيزيولوجيا الصقور الصقور طيور قوية، ذات عضلات متينة مدمجة، ذات أجنحة طويلة نسبيًا، وهي طيور قنص نهارية، وتوجد ضمن جنس واحد هو Falco، وتراوح أحجامها بين 100 غرام لدى أصغر العواسق وصولاً إلى كيلوغرامين لدى أكبر الصقور القطبية، ومن مميزات الصقور امتلاكها منقار قصير وضخم نسبة إلى الرأس، وهذه المناقير قوية وتستخدمها للأكل ولتمزيق الفريسة بعد قتلها. ويشير علماء الفيزيولوجيا إلى أن هناك تركيبة فريدة تمتلكها الصقور، وهي على الحافة القاطعة للمنقار العلوي تُعرف باسم ـ السن البارز ـ ويطابق هذا التركيب مكان وجود ثلم ـ شق ـ على الحافة القاطعة للمنقار السفلية، وحسب اعتقاد بعض علماء الطيور يساعد هذا السن على كسر العمود الفقري العنقي للفريسة لدى الإمساك بها. وللصقور أجنحة طويلة مدببة إلى حد ما، ذات ريشات طيران ملتوية معتدلة، أو قاسية، ولكل جناح 10 ريشات طيران أولية، والصقور صيادة ماهرة تحسن انتهاز الفرص، وهي تصطاد عبر طريقتين: الأولى الانقضاض السريع، وتوجيه ضربة خاطفة، والثانية المطاردة في الجو والإمساك بالفريسة. وتطير الصقور بسرعات كبيرة، فالشاهين الجوال يطير بسرعة تصل إلى 100 كيلو متر في الساعة، وسرعته بالانقضاض تصل إلى أكثر بكثير من 320 كيلو مترًا في الساعة، وهو شيء لا يصدق. تقسيم كشاجم الجوارح وضع (كشاجم) الجوارح في أربعة أنواع هي: البزاة، والشواهين، والصقور، والعقاب. ـ البزاة: وهي خمسة أصناف: الباز، القيمي، الزرَّق، الباشق، البيدق. ـ الشواهين: وهي ثلاثة: الشاهين، الأنيقي، القطامي. ـ
الصقور ثلاثة هي: الصقر، الكونج، ال. ـ العقاب: صنف واحد. ثم أضاف إلى هذه الأنواع الأربعة (الزُّمُّج)، فصارت جملة الجوارح عنده ثلاثة عشر جارحًا. صفات الصقر الجيد يقول (كشاجم): إن المختار من الصقور هو ما كان أحمر اللون، عظيم الهامة، دامع العين، تام المنسر، طويل العنق، رحب الصدر، ممتلئ الزور، عريض الوسط، جليل الفخذين، قصير الساقين، سبط الكف، قريب العقدة من الفقار، طويل الجناحين، قصير الذنب، غليظ الأصابع، أسود اللسان. أسماء الصقر وكناه يقال للصقر: الحر، والأجدل، والأكدر، والهيثم، والمضرجي، والقطامي، والأسفع، والزهدم. وقد سمي بالجدل لشدته.. وبالمضرجي لطول جناحيه وكرمه.. وبالقطامي لقطمه اللحم بمنسره. وكنية الصقر: أبو شجاع، وأبو الأصبع، وأبو الحمراء، وأبو عمران، وأبو عوان. ألوان الصقر الصقر على عدة أنواع منها: ـ الأشهب: الكثير البياض، وهو الحصاوي.. وموطنه الجبال والبراري. ـ الأحمر: ومأواه الأرياف والسهول. ـ الأسود البحري: وهو الذي يقضي فصل الشتاء في الجزائر، على شواطئ البحر المتوسط. الأصفر والأخضر: وهو قليل ونادر. من غرائب الصقور: «طقوس الزفاف» تتصف الصقور بالعاطفة المتقدة، والسعادة الغامرة، والتفاخر بالقوة. ومن غرائب الصقور مظاهر الزفاف التي تتخذ طابعًا طقسيًا، حيث يبدأ الذكر بالطيران والصياح بصوته المميز، باستدعاء الأنثى من فوق الصخور أو بين الأشجار.. ثم يقدمان معًا نوعًا من (الرقص الطائر) البالغ التعبير والجمال.. هناك يطير الذكر هابطًا، وقد تدلت قدماه (كما يتم عندما تستعد الطائرة للهبوط بإنزال العجلات) وبينما هو هابط تسبقه قدماه.. تقابله الأنثى طائرة إلى أعلى يتقدمها قدماها وكأنهما يتصافحان.. ولكن بالأقدام.. ويظلان هكذا، ثم يهبطان ويهبطان.. ومع هبوطهما يقتربان أكثر فأكثر.. حتى تتشابك مخالبهما تمامًا.. إنه مشهد على غاية السحر والجمال.. والصقور من الطيور التي لا تميل إلى تعدد الزوجات، لكن الأصناف المهاجرة منها تتزاوج مرة في كل موسم هجرة.
صقور الوطن العربي
من أهم أنواع الصقور في الجزيرة العربية وبلاد الشام والخليج العربي وباقي الوطن العربي: ـ الصقر الجوال (الشاهين) لون ريش الرأس والعنق أسود، مع وجود مقطع كثيف على وجنتيه يشبه الشارب، يمتد نزولاً من العين ومناطق الخدود، والأعضاء الداخلية ذات لون أبيض وبرتقالي فاتح، وذات خطوط ضيقة على الصدر، ومقلمة عند البطن، وتكون الجوانب بين البني الأدكن والأسود، والأجزاء العلوية من الظهر والجناحين تكون رمادية مائلة إلى الأزرق مع البني الأدكن، أما ريشات الطيران فتميل إلى اللون البني الغامق مقلم بالرمادي، والذيل مدبب باللونين الأبيض والبيج. والشاهين صقر ممتلئ ذو عضلات كثيفة متناسقة وقاسية من حافة المنقار وحتى نهاية الذيل، ويتميز بالسرعة والقوة، وروعة المناورات الجوية. ـ الصقر الحر تتباين أحجام هذا الصقر، ولكن متوسط طول الذكر يصل إلى 5 و 38 سم، ويصل امتداد جناحيه إلى 91سم، ويزن ما بين 700 و999 غرامًا، ويصل متوسط امتداد جناحية إلى 108سم. ويوجد تنوع في تكوين الريش، فالمناطق الداخلية صفراء برتقالية، وتكون مقلمة، أو مبقعة، أو منقطة بدرجات دكناء أكثر من البني، وتشابه العلامات على ريش الصدر والجوانب ما يظهر على الشاهين غير البالغ. ويكون الرأس أصفر برتقاليًا ممزوجًا بالبني، ولكن العلامات المميزة تختلف، فالعلامات الخفيفة تعطي مظهرًا أشقر لتاج الرأس خلف العنق، في حين تكون العلامات القوية مشابهة لما هو لدى الشاهين غير البالغ. وتتميز صقور الحر بقلة الهجرة مقارنة بالشواهين، وبعشقها الصحراء، وثرها الصقّار على ما سواها من الصقور الأخرى. ومن أنواع الصقور الأخرى: الصقر وكري شاهين، وصقر الجير، والعوسق، والشويهين، وصقر الغزال، والصقر الأدهم السناجي، والصقر أحمر القدم الغربي.
تدريب الصقور
حينما يوقع الصيادون بأحد الصقور الضخمة الثمينة، فإنه لا تتوافر لديهم سوى مهلة أسبوعين، أو ثلاثة أسابيع لتدريبه قبل موسم هجرة الحبارى، وبداية وصولها. وتتم تغطية عينيّ الصقر بتمرير شعرة من ذيل حصان عبر الجفن الأسفل وجذبهما معًا، وربطهما في عقدة في أعلى الرأس، ويتم إغلاق عيني الصقر مؤقتًا، وتظلان هكذا لعدة أيام يلازم خلالها الصياد صقره على مدار الساعة، ويحمله معه، ويناديه باسمه الذي يختاره له، والغرض من ذلك هو تهدئة الطائر المتوحش، وتدريبه على الجلوس فوق قفاز الصياد الذي يطلق عليه اسم المنقلة، وتعويده معرفة صوت مدربه وتمييزه، وتتم إزالة الشعرة بعد ثلاثة أيام، فيكون أول شيء يراه الصقر هو الرجل الذي كان يسمع صوته، وبدأ يثق به خلال فترة العمى المؤقت، ويقوم الصياد بإطعام الصقر بيده، وهكذا تتوطد الثقة بينهما. وبعد فترة وجيزة يُطلق الطائر من المنقلة ليلحق لعدة أمتار لالتقاط طعام يُقدم له وهو لا يزال مربوطًا بخيط إلى قفاز مدربه، ثم تزداد مسافة الطيران تدريجيًا حتى يجيء الوقت الذي يُترك فيه الصقر للطيران بحرية، ثم يبدأ المدرب في تقديم الإغراءات للصقر، وهي مصنوعة من جناحي طائر الحبارى احتفظ بهما الصياد من العام الماضي، وذلك لتعويده على الفريسة التي يرغب الصياد في اصطيادها.